كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


عورض ما في هذا الحديث من الأولية بما اقتضاه حديث ابن مسعود الذي خرجه أحمد والنسائي والحاكم يشفع نبيكم رابع ‏[‏ص 42‏]‏ أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه - الحديث - وأجيب بأن هذا ضعفه البخاري‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في المناقب ‏(‏د‏)‏ في السنة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ولم يخرجه البخاري‏.‏

2693 - ‏(‏أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر‏)‏ أي أقول ذلك شكراً لا فخراً من قبيل قول سليمان عليه الصلاة والسلام ‏{‏علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء‏}‏ أي لا أقوله تكبراً وتفاخراً وتعاظماً على الناس وقيل لا أتكبر به في الدنيا وإلا ففيه فخر الدارين وقيل لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة والفخر ادعاء العظم والمباهاة وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاماً للأمة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء وأما خبر لا تفضلوا بين الأنبياء فمعناه تفضيل مفاخرة وهنا أجوبة غير مرضية ‏(‏وبيدي لواء الحمد‏)‏ بالمد والكسر علمه والعلم في العرصات مقامات لأهل الخير والشر ينصب في كل مقام لكل متبوع لواء يعرف به قدره وأعلى تلك المقامات الحمد ولما كان أعظم الخلائق أعطي أعظم الألوية وهو لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وعليه فالمراد باللواء الحقيقة فلا وجه لعدول البعض عنه وحمله على لواء الجمال والكمال ‏(‏ولا فخر‏)‏ أي لا فخر لي بالعطاء بل المعطي ولهذا المعنى المقرر افتتح كتابه بالحمد واشتق اسمه من الحمد وأقيم يوم القيامة المقام المحمود وسيفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبله ولا بعده ‏(‏وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه -‏)‏ اعتراض بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم عليه السلام بالرفع بدلاً أو بياناً من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف وآثر الفاء التفصيلية في من للترتيب على منوال الأمثل فالأمثل إلا تحت لوائي ‏(‏وأنا أول من تنشق عنه الأرض‏)‏ وفي رواية تنشق الأرض عن جمجمتي ‏(‏ولا فخر‏)‏ أي أول من يعجل اللّه إحياءه مبالغة في الإكرام وتعجيلاً لجزيل الإنعام قال الطيبي‏:‏ قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر ‏(‏وأنا أول شافع‏)‏ يوم القيامة أو في الجنة لرفع الدرجات فيها بشهادة خبر مسلم أنا أول شافع في الجنة ‏(‏وأول مشفع‏)‏ بقبول شفاعته في جميع أقسام الشفاعة للّه ثم أراد أن يتواضع لربه ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكياً وبحالها في السيادة والشرف معجباً فقال ‏(‏ولا فخر‏)‏ أي لا أقوله افتخاراً وتبجحاً بل شكراً وتحدثاً بالنعمة وإعلاماً للأمة وأما قوله لمن قال له يا خير البرية قال‏:‏ ذاك إبراهيم فعلى جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء عليهم السلام أو قبل أن يعلم بتفضيله عليه لا يقال كيف يصح من معصوم الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لأجل تواضع أو آداب وكيف يكون ذلك خبراً عن أمر وجودي والأخبار الوجودية لا يدخلها نسخ لأن نقول نمنع أن هذا إخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه ولم يتعرض للمعنى فكأنه قال لا تطلقوا هذا اللفظ عليّ وأطلقوه على إبراهيم عليه الصلاة والسلام أدباً معه واحتراماً فهو خبر عن الحكم الشرعي لا عن المعنى الوجودي سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل منه ما يتبدل ولا يلزم من تبدله تناقض ولا محال ولا نسخ كالإخبار عن الأمور الوضيعة وبيانه أن معنى كون الإنسان مكرماً ومفضلاً إنما هو بحسب ما يكرم به ويفضل على غيره ففي وقت يكرم بما يساوي فيه غيره وفي وقت يزاد على ذلك العير وفي وقت يكرم بشيء لم يكرم به أحد فيقال عليه في المنزلة الأولى مكرم وفي الثانية مفضل مقيد وفي الثالثة مفضل مطلقاً ولا يلزم من ذلك تناقض ولا نسخ ذكره القرطبي قال‏:‏ أغبط به وشد عليه يدك قال بعض الصوفية‏:‏ وإنما أعلم أمته بالسادة وأنه أول شافع ليريحهم من التعب ذلك اليوم وذهابهم لنبي بعد نبي ليشفع لهم أو يرشدهم لنافع وأنهم يمكثون بمحلهم حتى تأتيه النوبة فيقول‏:‏ أنا لها أنا لها فما ذهب إلي نبي بعد نبي إلا من لم يبلغه الخبر أو نسي، وأخذ من الحديث أنه لا بأس بقول الشيخ لتلميذه‏:‏ خذ مني هذا الكلام المحقق الذي ‏[‏ص 43‏]‏ لا تجده عند غيري أو نحو ذلك بقصد اعتنائه وعدم تهاونه به‏.‏ ‏(‏تتمة‏)‏ قالوا في الخصائص‏:‏ خص نبينا صلى اللّه عليه وسلم بالشفاعة العظمى في فصل القضاء وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار لا يدخلها والشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة كما جوز النووي اختصاص هذه والتي قبلها به ووردت به الأخبار في التي قبلها وصرح به عياض وغيره وبالشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد ذكره السبكي وبالشفاعة لجمع من صلحاء المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ذكره القزويني في العروة وبالشفاعة في الموقف تخفيفاً عن من يحاسب وبالشفاعة فيمن دخل النار من الكفار أن يخفف عنه العذاب وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا وبالشفاعة في أهل بيته أن لا يدخل أحداً منهم النار‏.‏

- ‏(‏حم ت في المناقب ه‏)‏ كلهم ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

2694 - ‏(‏أنا قائد المرسلين‏)‏ والنبيين يوم القيامة أي أكون إمامهم وهم خلفي قال الخليل‏:‏ القود أن يكون الرجل أمام الدابة آخذاً بناصيتها ‏(‏ولا فخر وأنا خاتم النبيين‏)‏ والمرسلين ‏(‏ولا فخر وأنا شافع‏)‏ للناس ‏(‏ومشفع‏)‏ فيهم ‏(‏ولا فخر‏)‏ وجه اختصاصه بالأولية أنه تحمل في مرضات ربه ما لم يتحمله بشر سواه وقام للّه بالصبر والشكر حق القيام فثبت في مقام الصبر حتى لم يلحقه من الصابرين أحد وترقى في درجات الشكر حتى علا فوق الشاكرين فمن ثم خص بذلك قال العارف ابن عربي‏:‏ كما صحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثبتت السيادة له على جميع الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي إلا له فقد شفع في الرسل والأنبياء نعم والملائكة فأذن اللّه عند شفاعته له في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع فهو أول شافع بإذن اللّه وأرحم الراحمين آخر شافع يوم القيامة فيشفع الرحيم عند المنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط فيخرجه المنعم المتفضل وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين وآخر الدائرة متصل بأولها وأي شرف أعظم من شرف محمد صلى اللّه عليه وسلم حيث كان ابتداء الدائرة به وحيث اتصل به آخرها لكمالها فيه ابتدئت الأشياء وبه كملت‏.‏

- ‏(‏الدارمي‏)‏ في مسنده ‏(‏عن جابر‏)‏ قال الصدر المناوي‏:‏ رجاله وثقهم الجمهور‏.‏

2695 - ‏(‏أنا سابق العرب‏)‏ إلى الجنة كما صرح به هكذا في خبر أبي أمامة ‏(‏وصهيب سابق الروم‏)‏ أي إلى الجنة أو إلى الإسلام ‏(‏وسلمان‏)‏ الفارسي ‏(‏سابق الفرس‏)‏ بضم الفاء وسكون الراء ‏(‏وبلال سابق الحبش‏)‏ أي إلى الجنة أو إلى الإسلام‏.‏

- ‏(‏ك عن أنس‏)‏ ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ أنا سابق العرب إلى الجنة وبلال سابق الحبش إلى الجنة وسلمان سابق فارس إلى الجنة انتهى‏.‏ قال الزين العراقي في المغرب‏:‏ حديث حسن وقال الهيثمي‏:‏ سنده حسن قال الزين العراقي‏:‏ وله شاهد من حديث أنس أيضاً مرفوعاً بلفظ السابق أربعة أنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة وصهيب سابق الروم‏.‏ حديث حسن أخرجه البزار هكذا في مسنده وأخرجه غيره بمعناه وقال‏:‏ رجاله كلهم ثقات‏.‏

‏[‏ص 44‏]‏ 2696 - ‏(‏أنا أعربكم أنا من قريش‏)‏ أي أنا أدخلكم في العرب يعني أوسطكم فيه نسباً وأنفسكم فيه فخذاً لأن عدنان ذروة ولد إسماعيل ومضر ذروة نذار بن معد بن عدنان وخندف ذروة مضر ومدركة ذروة خندف وقريش ذروة مدركة ومحمد ذروة قريش ‏(‏ولساني لسان بني سعد بن بكر‏)‏ لكونه استرضع فيهم وكان العرب تعتني باسترضاع أولادها عند نساء البوادي قال الزمخشري‏:‏ هذا اللسان العربي كأن اللّه عزت قدرته مخضه وألقى زبدته على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وقال الحرالي‏:‏ من استجلى أحواله علم إطلاع حسه على إحاطة المحسوسات وإحاطة حكمها واستنهاء ناطقها وأعجمها حيها وجمادها جميعها، يؤثر عن عمر أنه قال أنه كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكلم أبا بكر بلسان كأنه أعجم لا أفهم مما يقولان شيئاً‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن يحيى بن يزيد السعدي مرسلاً‏)‏‏.‏

2697 - ‏(‏أنا رسول من أدركت حياً‏)‏ وكذا هو رسول من قبله كما دل عليه خبر وأرسلني إلى الخلق كافة ‏(‏ومن يولد بعدي‏)‏ إلى أن تقوم الساعة فلا نبي ولا رسول بعده بل هو خاتم الأنبياء والرسل وعيسى عليه الصلاة والسلام إنما ينزل بشرعه‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن الحسن‏)‏ البصري ‏(‏مرسلاً‏)‏‏.‏

2698 - ‏(‏أنا أول من يدق باب الجنة‏)‏ من البشر ‏(‏فلم تسمع الآذان أحسن من طنين الحلق‏)‏ بالتحريك جمع حلقة بالسكون ‏(‏على تلك المصاريع‏)‏ يعني الأبواب والمصراع من الباب الشطر وفي رواية أنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح اللّه فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين وفي رواية أقعقع حلق الجنة وفي أخرى فآخذ بحلق باب الجنة فأقعقعها والأولية تقتضي تحريك غيره أيضاً قال ابن القيم‏:‏ وذا صريح في أنها حلق حسية تتقعقع وتتحرك‏.‏

- ‏(‏ابن النجار‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أنس‏)‏‏.‏

2699 - ‏(‏أنا‏)‏ بتخفيف النون ‏(‏فئة المسلمين‏)‏ أي الذي يتحيز المسلمون إليه فليس من انحاز إليَّ في المعركة بعد يعد فارّاً ويأثم الفارين قاله لابن عمر وجمع فروا من زحف ثم ندموا فقالوا‏:‏ نعرض أنفسنا عليه فإن كانت لنا توبة أقمنا وإلا ذهبنا فأتوه فقالوا‏:‏ نحن الفارون قال‏:‏ لا بل أنتم العكارون أي العائدون للقتال فقبلوا يده فذكره وأما قول المؤلف في المرقاة معناه أنا وحدي كاف لكل شيء من جهاد وغيره وكل من انحاز إلى بره مما يضره ديناً ودنيا فلا يخفى ركاكته وبعده من ملائمة السبب‏.‏

- ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب وفيه يزيد بن زياد فإن كان المدني فثقة أو الدمشقي ففي الكاشف واه‏.‏

2700 - ‏(‏أنا فرطكم‏)‏ بالتحريك أي سابقكم ‏(‏على الحوض‏)‏ أي إليه لأصلحه لكم وأهيئ لكم ما يليق بالوارد وأحوطكم وآخذ لكم طريق النجاة من قولهم فرس فرط متقدم للخيل ذكره الزمخشري وهذا تحريض على العمل الصالح المقرب له في الدارين وإشارة إلى قرب وفاته وتقدمه على وفاة صحبه‏.‏

- ‏(‏حم ق عن جندب خ عن ابن مسعود‏)‏ عبد اللّه ‏(‏م عن جابر ‏[‏ص 45‏]‏ ابن سمرة‏)‏ وسببه كما في مسلم عن أبي هريرة أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أتى المقبرة فقال‏:‏ السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء اللّه بكم لاحقون إنا قد رأينا إخواننا قالوا‏:‏ أولسنا إخوانك قال‏:‏ أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد‏.‏ قالوا‏:‏ كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال‏:‏ أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرّ محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطكم على الحوض ألا ليذادنّ رجال عن حوضي كإيذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال‏:‏ إنهم قد بدّلوا بعدك فأقول‏:‏ سحقاً سحقاً انتهى وفي الباب سهل وأبو سعيد وابن عباس وجابر بن عبد اللّه وغيرهم‏.‏

2701 - ‏(‏أنا محمد وأحمد‏)‏ أي أعظم حمداً من غيري لأنه حمد اللّه بمحامد لم يحمده بها غيره فهو أحق بهذين الاسمين من غيره ‏(‏والمقفى‏)‏ بشدة الفاء وكسرها لأنه جاء عقب الأنبياء وفي قفاهم أو المتبع آثار من سبقه من الرسل ‏(‏والحاشر‏)‏ أي أحشر أول الناس ‏(‏ونبي التوبة‏)‏ أي الذي بعث بقبول التوبة بالنية والقول وكانت توبة من قبله بقتلهم أنفسهم أو الذي تكثر التوبة في أمته وتعم أو أن أمته لما كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم أو المراد أن توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له ولا يؤاخذ في الدنيا ولا في الآخرة وغيره يؤاخذ في الدنيا‏.‏ قال القرطبي‏:‏ والمحوج إلى هذه الأوجه أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلا بد من مزية لنبينا صلى اللّه عليه وعليهم وسلم ‏(‏ونبي الرحمة‏)‏ بميم أوله بخط المصنف أي الترفق والتحنن على المؤمنين والشفقة على عباد اللّه المسلمين فقد مرّ أن الرحمة ومثلها المرحمة إذ هما بمعنى واحد كما قاله القرطبي إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطي هو وأمته منها ما لم يعطه أحد من العالمين ويكفي ‏{‏وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم م عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ‏(‏زاد طب ونبي الملحمة‏)‏ أي نبي الحرب وسمي به لحرصه على الجهاد ووجه كونه نبي الرحمة ونبي الحرب إن اللّه بعثه لهداية الخلق إلى الحق وأيده بمعجزات فمن أبى عذب بالقتال والاستئصال فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة وظاهر تخصيص المصنف الطبراني بهذه الزيادة أنها لا تعرف لأعلا منه والأمر بخلافه فقد خرجه أحمد عن حذيفة بلفظ ونبي الملاحم قال الزين العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

2702 - ‏(‏أنا محمد وأحمد‏)‏ سبق أن هذا مما ورد فيه الجملة الخبرية لأمور غير فائدة الخبر ولازمه والقصد إظهار شرفه باختصاصه بهذا الاسم ‏(‏أنا رسول الرحمة أنا رسول الملحمة‏)‏ خص نفسه من بين الأنبياء بأنه نبي القتال مع مشاركة غيره منهم له فيه إشارة إلى أن غيره منهم لا يبلغ مبلغه فيه ‏(‏أنا المقفى والحاشر بعثت بالجهاد ولم أبعث بالزراع‏)‏ سره أنه لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدارين كان في الذروة العليا منه فاستولى على أنواعه كلها فجاهد في اللّه بالجنان والبنان والسيف والسنان‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن مجاهد‏)‏ بفتح الجيم وكسر الهاء بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ‏(‏مرسلاً‏)‏ هو الإمام في القراءة والتفسير‏.‏

‏[‏ص 46‏]‏ 2703 - ‏(‏أنا دعوة إبراهيم‏)‏ أي صاحب دعوته بقوله حين بنى الكعبة ‏{‏ابعث فيهم رسولاً منهم‏}‏ وفائدته بعد فرض وقوعه نبياً مقدراً له ذلك التنويه بشرفه وكونه مطلوب الوجود تالياً للكتاب مطهراً للناس من الشرك معروفاً عند الأنبياء المتقدمين ‏(‏وكان آخر من بشر بي‏)‏ أي ببعثتي ‏(‏عيسى ابن مريم‏)‏ بشر بذلك قومه ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون معجزة لعيسى عليه السلام عند ظهوره قال تعالى حكاية عنه ‏{‏ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد‏}‏ وسماه لأنه مسمى به في الإنجيل ولأنه أبلغ من محمد‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن عبادة بن الصامت‏)‏ قضية كلام المصنف أنه لم يقف لأشهر ولا أقدم من ابن عساكر وهو غفلة فقد رواه الحارث ابن أبي أسامة والطيالسي وكذا الديلمي بأتم من هذا ولفظه أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ولما ولدت خرج من أمي نور أضاء ما بين المشرق والمغرب اهـ‏.‏

2704 - ‏(‏أنا دار الحكمة‏)‏ وفي رواية أنا مدينة الحكمة ‏(‏وعلي بابها‏)‏ أي علي بن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها ومن زعم أن المراد بقوله وعلي بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه الفاسد بما لا يجزيه ولا يسمنه ولا يغنيه، أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعاً ما أنزل اللّه عز وجل يا أيها الذين آمنوا إلا وعليّ رأسها وأميرها وأخرج عن ابن مسعود قال‏:‏ كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فسئل عن علي كرم اللّه وجهه فقال‏:‏ قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً وعنه أيضاً أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله بطن وظهر وأما عليّ فعنده منه علم الظاهر والباطن وأخرج أيضاً عن سيد المرسلين وإمام المتقين أنا سيد ولد آدم وعليّ سيد العرب وأخرج أيضاً علي راية الهدى وأخرج أيضاً يا علي إن اللّه أمرني أن أدنيك وأعلمك لتسعى وأنزلت عليه هذه الآية ‏{‏وتعيها أذن واعية‏}‏ وأخرج عن ابن عباس كنا نتحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد إلى عليّ كرم اللّه وجهه سبعين عهداً لم يعهده إلى غيره والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ عن إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الضياء ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وقال‏:‏ غريب وزعم القزويني كابن الجوزي وضعه أطال العلاء في رده وقال‏:‏ لم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلة فادحة في هذا الخبر سوى دعوى الوضع دفعاً بالصدر وسئل عنه الحافظ ابن حجر في فتاويه فقال‏:‏ هذا حديث صححه الحاكم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال‏:‏ إنه كذب والصواب خلاف قولهما معاً وأنه من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب قال‏:‏ وبيانه يستدعي طولاً لكن هذا هو المعتمد اهـ‏.‏

2705 - ‏(‏أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب‏)‏ فإن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلها أو لا بد للمدينة من باب فأخبر أن بابها هو عليّ كرم اللّه وجهه فمن أخذ طريقه دخل المدينة ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف والمعادي والمحالف، خرَّج الكلاباذي أن رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال‏:‏ سل علياً هو أعلم مني فقال‏:‏ أريد جوابك قال‏:‏ ويحك كرهت رجلاً كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعزه بالعلم عزاً وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك وكان عمر يسأله عما أشكل عليه، جاءه رجل فسأله فقال‏:‏ ههنا عليّ فاسأله فقال‏:‏ أريد أسمع منك يا أمير المؤمنين قال‏:‏ قم لا أقام اللّه رجليك ومحى اسمه من الديوان، وصح عنه من طرق ‏[‏ص 47‏]‏ أنه كان يتعوذ من قوم ليس هو فيهم حتى أمسكه عنده ولم يوله شيئاً من البعوث لمشاورته في المشكل وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال‏:‏ ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي قال‏:‏ لا واللّه‏.‏ قال الحرالي‏:‏ قد علم الأولون والآخرون أن فهم كتاب اللّه منحصر إلى علم علي ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع اللّه عنه القلوب الحجاب حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء إلى ههنا كلامه‏.‏

- ‏(‏عق عد طب ك‏)‏ وصححه وكذا أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في السنة كلهم ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ترجمان القرآن ‏(‏عد ك عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ورواه أحمد بدون فمن إلخ‏.‏ قال الذهبي كابن الجوزي‏:‏ موضوع‏.‏ وقال أبو زرعة‏:‏ كم خلق افتضحوا به وقال ابن معين‏:‏ لا أصل له‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ غير ثابت وقال الترمذي عن البخاري‏:‏ منكر وتعقبه جمع أئمة منهم الحافظ العلائي فقال‏:‏ من حكم بوضعه فقد أخطأ والصواب أنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف وليس هو من الألفاظ المنكرة الذي تأباها العقول بل هو كخبر أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وقال الزركشي‏:‏ الحديث ينتهي إلى درجة الحسن المحتج به ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن كونه موضوعاً وفي لسان الميزان هذا الحديث له طرق كثيرة في المستدرك أقل أحواها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي إطلاق القول عليه بالوضع اهـ ورواه الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور من حديث ابن معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ثم قال‏:‏ قال القاسم‏:‏ سألت ابن معين عنه فقال‏:‏ هو صحيح‏.‏ قال الخطيب‏:‏ قلت أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل إذ رواه غير واحد عنه وأفتى بحسنه ابن حجر وتبعه البخاري فقال‏:‏ هو حديث حسن‏.‏

2706 - ‏(‏أنا أولى الناس‏)‏ أي أخص ‏(‏بعيسى ابن مريم‏)‏ وصفه بأمه إيذاناً بأنه لا أب له أي الذي خلق منها بغير واسطة ذكر يعني أنا أقربهم إليه ‏(‏في الدنيا‏)‏ وفي رواية في الأولى لأنه بشر أنه يأتي من بعده ومهد قواعد دينه ودعى الخلق إلى تصديقه ولما كان ذلك قد لا يلازم الأولوية بعد الموت قال ‏(‏وفي الآخرة‏)‏ أيضاً، ثم كأن سائلاً قال‏:‏ ما سبب الأولوية فأجاب بقوله ‏(‏ليس بيني وبينه نبي‏)‏ أي من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه بينهما وإلا فقد قيل إن في سند خبره مقالاً وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمنين صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب ‏(‏والأنبياء أولاد علات‏)‏ بفتح المهملة أي أخوة لأب والعلات أولاد الضرائر من رجل واحد والعلة الضرّة ‏(‏أمهاتهم شتى‏)‏ أي متفرقة فأولاد العلات هم أولاد الرجل من نسوة متفرقة سميت علات لأن الزوج قد علّ من المتأخرة بعد ما نهل من الأولى ‏(‏ودينهم واحد‏)‏ أي أصل دينهم واحد وهو التوحيد وفروع شرائعهم مختلفة شبه ما هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء وهو إرشاد الخلق بالأب وشبه شرائعهم المتفاوتة في الصورة بأمهات‏.‏ قال القاضي‏:‏ والحاصل أن الغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعاً لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم فهم متفقون في هذا الأصل وإن اختلفوا في تفاريع الشرائع فعبر عما هو الأصل المشترك بين الكل بالأب ونسبهم إليه وعبر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصور المتقاربة في الغرض بالأمهات وأنهم وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أعوامهم فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كل في عصره واحد وهو الدين الحق الذي فطر الناس مستعدين لقبوله متمكنين من الوقوف عليه والتمسك به فعلى هذا المراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت عليهم ويحتمل تقريره بوجه آخر وهو أن أرواح الأنبياء لما بينهما من التشابه والاتصال كالشيء الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة المرأة المشبهة بالأمهات انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ كما ‏[‏ص 48‏]‏ يحتمل أن يراد بالأولى والآخرة الدنيا والقيامة ويحتمل أن يراد بهما الحالة الأولى وهي كونه مبشراً والحالة الآخرة وهي كونه ناصراً مقوياً لدين المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولا تعارض بين هذا وبين آية ‏{‏إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي‏}‏ أي أنا أخصهم به لأن الحديث وارد في كونه عليه الصلاة والسلام متبوعاً والتنزيل في كونه تابعاً وله الفضل تابعاً ومتبوعاً فإن قيل‏:‏ أي تعلق لهذا بأمهات الأنبياء فالجواب‏:‏ أنه تنبيه على فضل أمه‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ وعيسى بالسريانية أيسوع ومريم بمعنى الخادم وقيل مريم بالعربية من النساء كالزين من الرجال ووزن مريم عند النحاة مفعل لأن فعيلاً بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية وفيه إبطال لزعم أنه كان بعد عيسى عليه الصلاة والسلام أنبياء ورسل منهم خالد بن سنان‏.‏

- ‏(‏حم ق د عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2707 - ‏(‏أنا أولى بالمؤمنين‏)‏ بنص رب العالمين قال تعالى‏:‏ ‏{‏النبي أولى بالمؤمنين‏}‏ قال بعض الصوفية‏:‏ وإنما كان أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة ويترتب على كونه أولى أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات نفوسهم وإن شق عليهم وأن يحبوه بأكثر من محبتهم لأنفسهم ويدخل فيه النساء بأحد الوجهين المفصلين في علم الأصول ‏(‏من أنفسهم‏)‏ أي أنا أولى بهم من أنفسهم في كل شيء من أمر الدارين لأني الخليفة الأكبر الممد لكل موجود فيجب عليهم أن أكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمي أنفذ عليهم من حكمها وهذا قاله عليه الصلاة والسلام لما نزلت الآية، ومن محاسن أخلاقه السنية أنه لم يذكر ما له في ذلك من الحظوظ بل اقتصر على ما هو عليه حيث قال‏:‏ ‏(‏فمن توفي‏)‏ بالبناء للمجهول أي مات ‏(‏من المؤمنين‏)‏ إلى آخر ما يأتي ومن هذا التقرير استبان اندفاع اعتراض القرطبي بأن الأولوية قد تولى المصطفى صلى اللّه عليه وسلم تفسيرها بقوله فمن توفي إلخ ولا عطر بعد عروس ووجه الاندفاع أنه تفريع على الأولوية العامة لا تخصيص فلا ينافي ما سبق بل أفاد فائدة حسنة وهي أن مقتضى الأولوية مرعي في جانب الرسول أيضاً ‏(‏فترك‏)‏ عليه ‏(‏ديناً‏)‏ بفتح الدال ‏(‏فعلي‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين ‏(‏قضاؤه‏)‏ من بيت المال قيل وجوباً لأن فيه حق الغارمين وقيل وعداً والأشهر عند الشافعية وجوبه مما يفيء اللّه عليه من غنيمة وصدقة ولا يلزم الإمام فعله بعده في أحد الوجهين وإلا أثم إن كان حق الميت من بيت المال بقدر الدين وإلا فيسقطه ‏(‏ومن ترك مالاً‏)‏ يعني حقاً فذكر المال غالبي إذ الحقوق تورث كالمال ‏(‏فهو لورثته‏)‏ لفظ رواية البخاري فليرثه عصبته من كانوا وعبر بمن الموصولة ليعمم أنواع العصبة وفي الأولوية فيما ذكر وجه حسن حيث ردّ على الورثة المنافع وتحمل المضار والتبعات وخص هذا القسم بالبيان دفعاً لتوهم الانحصار في جانب الأمّة وفيه أنه لا ميراث بالتبني ولا بالخلف وأن الشرع أبطلهما قال النووي‏:‏ وحاصل معنى الحديث أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم أو موته أنا وليه في الحالين فإن كان عليه دين قضيته إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال فلورثته لا آخذ منه شيئاً وإن خلف عيالاً محتاجين فعلي مؤونتهم‏.‏

- ‏(‏حم ق ن ه عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2708 - ‏(‏أنا الشاهد على اللّه أن‏)‏ أي بأن ‏(‏لا يعثر‏)‏ بعين مهملة ومثلثة أي يزل ‏(‏عاقل‏)‏ مسلم أي كامل العقل ‏(‏إلا رفعه‏)‏ اللّه من عثرته ‏(‏ثم لا يعثر‏)‏ مرة أخرى ‏(‏إلا رفعه‏)‏ منها ‏(‏ثم لا يعثر‏)‏ مرة ثالثة ‏(‏إلا رفعه‏)‏ منها كذلك وهكذا ‏(‏حتى يجعل مصيره إلى الجنة‏)‏ أي لا يزال يرفعه ويغفر له حتى يصير إليها وأفاد بذلك أن العبد إذا سقط في ذنب ثم ‏[‏ص 49‏]‏ تاب منه عفي عنه ثم إذا سقط فيه عفي عنه أيضاً كذلك وهكذا وإن بلغ سبعين مرة فإنه تعالى يحب كل مفتن تواب كما سيأتي في حديث والعثرة الكبوة ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم كما في المصباح كغيره وخص العاقل لأن العقل هو الذي يهديه ويرشده إلى التخلص من الذنب والتوبة منه فغير العاقل غافل لا يبالي بما ارتكبه‏.‏

- ‏(‏طس عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ إسناده حسن وأعاده في موضع آخر ثم قال فيه محمد بن عمر بن الرومي وثقه ابن حبان وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات انتهى‏.‏

2709 - ‏(‏أنا بريء ممن حلق‏)‏ أي من إنسان يحلق شعره عند المصيبة ‏(‏وسلق‏)‏ بسين وصاد أي رفع الصوت بالبكاء عندها أو الضارب وجهه عندها ‏(‏وخرق‏)‏ ثوبه عندها ذكراً أو أنثى وفي رواية والشاقة التي تشق ثوبها عندها أي أنا بريء من فعلهن أو من عهدة ما لزمني بيانه أو مما يستوجبن أو هو على ظاهره وهو البراءة من فاعل هذه الأمور‏.‏

- ‏(‏م ن ه عن أبي موسى‏)‏ الأشعري مرض أبو موسى فأغمي عليه فصاحت امرأته برنة فأفاق فقال‏:‏ ألم تعلمي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فذكره وظاهر صنيع المؤلف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه والأمر بخلافه فقد عزاه لهما معاً جمع منهم الصدر المناوي‏.‏

2710 - ‏(‏أنا وكافل اليتيم‏)‏ أي القائم بأمره ومصالحه هبه من مال نفسه أو من مال اليتيم كان ذا قرابة أم لا ‏(‏في الجنة هكذا‏)‏ وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي أن الكافل في الجنة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا أن درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ويحتمل أن المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة الدخول وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً ومرشداً لهم ومعلماً وكافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل فيرشده ويعقله وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة أو ضعفاً عن القيام بحقها‏.‏

- ‏(‏حم خ د‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في البر ‏(‏عن سهل بن سعد‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد البخاري عن صاحبه وليس كذلك بل رواه مسلم عن عائشة وابن عمر بزيادة ولفظه أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين أي سواء كان قريباً أو أجنبياً‏.‏

2711 - ‏(‏أنت أحق‏)‏ أي أولى وهو أفعل من الحق الذي هو ملك الإنسان وجمعه حقوق تقديره أنت أثبت حقاً ‏(‏بصدر دابتك‏)‏ أي بمقدم ظهرها ‏(‏مني‏)‏ أيها الرجل الذي تأخر وعزم علي أن أركب حماره فلا أركب على صدره لأنه المالك له ولمنفعته فأنت بصدره أحق ‏(‏إلا أن تجعله‏)‏ أي صدرها ‏(‏لي‏)‏ فجعله له إكراما لعظيم منزلته والتماساً لجليل بركته وهذا من كمال إنصاف المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم وتواضعه وإظهار حق المرء حيث رضي أن يركب خلفه‏.‏

- ‏(‏حم د ت عن بريدة‏)‏ وفيه عليّ بن الحسين ضعفه أبو حاتم وقال العقيلي‏:‏ كان مرجئاً لكن معنى الحديث ثابت صحيح‏.‏

2712 - ‏(‏أنت‏)‏ أيها الرجل القائل إن أبي يريد أن يجتاح مالي أي يستأصله ‏(‏ومالك لأبيك‏)‏ يعني أن أباك كان سبب وجودك ‏[‏ص 50‏]‏ ووجودك سبب وجود مالك فصار له بذلك حق كان به أولى منك بنفسك فإذا احتاج فله أن يأخذ منه قدر الحاجة فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة ولوجوب نفقة الأصل على فرعه شروط مبينة في الفروع فكأنه لم يذكرها في الخبر لكونها معلومة عندهم أو متوفرة في هذه الواقعة المخصوصة‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ في التجارة ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه قال‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول اللّه إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال ابن حجر في تخريج الهداية‏:‏ رجاله ثقات لكن قال البزار‏:‏ إنما يعرف عن هشام عن ابن المنكدر مرسلاً وقال البيهقي‏:‏ أخطأ من وصله عن جابر ‏(‏طب‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن سمرة‏)‏ بن جندب قال الهيثمي‏:‏ فيه عبد اللّه بن إسماعيل الحوداني قال أبو حاتم‏:‏ لين وبقية رجال البزار ثقات انتهى ومفهومه أن رجال الطبراني ليسوا كذلك‏.‏ ‏(‏وابن مسعود‏)‏ قال‏:‏ قال رجل‏:‏ إن لي مالاً وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فذكره قال الهيثمي‏:‏ فيه إبراهيم بن عبد الحميد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات وقال ابن حجر‏:‏ فيه من طريق ابن مسعود هذا معاوية بن يحيى وهو ضعيف وأما حديث سمرة فإن العقبلي بعد تخريجه عنه قال‏:‏ وفي الباب أحاديث فيها لين وبعضها أحسن من بعض وقال البيهقي‏:‏ روي من وجوه موصولاً لا يثبت مثلها وقال ابن حجر في موضع آخر‏:‏ قد أشار البخاري في الصحيح إلى تضعيف هذا الحديث‏.‏

2713 - ‏(‏أنتم‏)‏ أيها المتوضئون من المؤمنين ‏(‏الغرّ المحجلون‏)‏ الغرة هنا محل الواجب والزائد عليه مطلوب ندباً وإن كان قد يطلق على الكل غرة لعموم النور لجميعه سمي النور الذي على مواضع الوضوء ‏(‏يوم القيامة‏)‏ غرة وتحجيلاً تشبيهاً بغرة الفرس ‏(‏من إسباغ الوضوء‏)‏ أي من أثر إتمامه ‏(‏فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله‏)‏ ندباً بأن يغسل مع الوجه مقدم الرأس وصفحة العنق ومع اليدين والرجلين العضدين والساقين، وفي قوله منكم إشارة إلى أن الكفار لا يعتد بطهرهم ولا بقربتهم ولا يجازون عليها في الآخرة ‏{‏والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة‏}‏ وظاهر قوله من إسباغ الوضوء أن هذا السيماء إنما يكون لمن توضأ في الدنيا وفيه ردّ لما نقله الفاسي المالكي في شرح الرسالة أن الغرة والتحجيل لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لا‏:‏ كما يقال لهم أهل القبلة من صلى ومن لا، قال في المطامح‏:‏ وقد تعلق بالخبر على من زعم كالداودي وغيره من ضعفاء أهل النظر على أن الوضوء من خصائصنا وهو غير قاطع لاحتمال أن الخاص الغرة والتحجيل بقرينة خبر‏:‏ هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي وقصره على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دون أممهم يردّه أن الوضوء كان معروفاً عند الأنبياء فالأصل أنه شرع ثابت لأممهم حتى يثبت خلافه‏.‏

- ‏(‏م عن أبي هريرة‏)‏ رواه مسلم من حديث عبد اللّه بن محمد قال‏:‏ رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه اليمنى حتى أشرع في الساق ثم اليسرى كذلك ثم قال‏:‏ هكذا رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وقال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتم إلخ‏.‏

2714 - ‏(‏أنتم أعلم بأمر دنياكم‏)‏ مني وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا لإنقاذ الخلائق من الشقاوة الأخروية وفوزهم بالسعادة الأبدية، وفيه أنشدوا‏:‏

إن الرسول لسان الحق للبشر * بالأمر والنهي والإعلام والخبر

هم أذكياء ولكن لا يصرفهم * ذاك الذكاء لما فيه من الغرر

ألا تراهم لتأبير النخيل وما * قد كان فيه على ما جاء من ضرر ‏[‏ص 51‏]‏

هم سالمون من الأفكار إن شرعوا * حكما بحل وتحريم على البشر

قال بعضهم‏:‏ فبين بهذا أن الأنبياء وإن كانوا أحذق الناس في أمر الوحي والدعاء إلى اللّه تعالى فهم أسرج الناس قلوباً من جهة أحوال الدنيا فجميع ما يشرعونه إنما يكون بالوحي وليس للأفكار عليهم سلطان‏.‏

- ‏(‏م عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏وعائشة‏)‏ قالا‏:‏ مرّ النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوم يلقحون فقال‏:‏ لو لم تفعلوا لصلح فخرج شيصاً فذكره‏.‏

2715 - ‏(‏أنتم شهداء اللّه في الأرض‏)‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس‏}‏ فهم عدول بتعديل اللّه لهم فإذا شهدوا على إنسان بصلاح أو فساد قبل اللّه شهادتهم وتجاوز عن من يستحق العذاب في علمه فضلاً وكرماً لأوليائه‏.‏ قال القاضي‏:‏ والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو الناصر والإمام كأنه سمي به لأنه يحضر النوادي ويبرم بحضرته الأمور إذ التركيب للحضور إما بالذات أو التصوّر ومنه قيل للمقتول في سبيل اللّه شهيد لأنه حضر ما كان يرجوه أو الملائكة حضوره ‏(‏والملائكة شهداء اللّه في السماء‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الإضافة للتشريف وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند اللّه كما أن الملائكة كذلك وهذا تزكية من المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأمته وإظهار معداتهم وأن اللّه يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم إكراماً وتفضيلاً وقال الفخر الرازي‏:‏ لما جعل المؤمنين شهوداً دلّ على أنه تعالى لا يظهر قبح فعلهم يوم القيامة إذ لو أظهر ذنبهم صارت شهادتهم مردودة وذلك لا يليق بحكمة الحكيم اللّهم حقق رجاءنا بكرمك وفضلك‏.‏

- ‏(‏طب عن سلمة بن الأكوع‏)‏

2716 - ‏(‏انبسطوا في النفقة‏)‏ على الأهل والحاشية وكذا الفقراء إن فضل عن أولئك شيء ‏(‏في شهر رمضان‏)‏ أي أكثروها وأوسعوها يقال بسط اللّه الرزق كثره ووسعه ‏(‏فإن النفقة فيه كالنفقة في سبيل اللّه‏)‏ في تكثير الأجر وتكفير الوزر أي يعدل ثوابها ثواب النفقة على الجهاد أي القتال لأعداء اللّه لتكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى وهذا خرج جواباً لسؤال إنسان لم يكن الجهاد في حقه أهم من الصرف في التوسعة في رمضان‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في فضل رمضان‏)‏ أي في جزئه الذي جمعه فيما ورد فيه ‏(‏عن ضمرة‏)‏ كان ينبغي تمييزه لكثرة من تسمى به ‏(‏وراشد بن سعد‏)‏ المقرائي بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة ثم ياء النسب الحمصي ثقة كثير الإرسال من الطبقة الثالثة ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن سعد وعوف بن مالك وشهد صفين وقال الذهبي‏:‏ ثقة مات سنة 113‏.‏

2717 - ‏(‏انتظار الفرج من اللّه عبادة‏)‏ أي انتظاره بالصبر على المكروه وترك الشكاية واحتج به من زعم أن التوكل قطع الأسباب وردّه الحليمي بأن مراد الخبر حيث لا مخلص ولا مفزع إلا بالصبر أما من جعل اللّه له إلى الخلاص طريقاً فليسلكها متوكلاً على اللّه أن يؤدّيه ذلك إلى الخلاص مما هو فيه ألا ترى أن الأسير لو أمكنه الانفلات من الكفار فعليه الانفلات ويتوكل على اللّه‏.‏

- ‏(‏عد خط‏)‏ من حديث الحسن بن سليمان صاحب المصلى عن محمد الباغندي عن عبيد بن هشام الحلبي عن مالك عن الزهري ‏(‏عن أنس‏)‏ ثم قال الخطيب‏:‏ وهم هذا الشيخ على الباغندي وعلى من فوقه وهماً قبيحاً لأنه لا يعرف إلا من رواية سليمان الخبائري عن بقية عن مالك وكذا حدث به الباغندي وصاحب المصلى له أحاديث تدل على سوء ضبطه وضعف حاله انتهى‏.‏ وقضية كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد من الستة لتخريجه وهو ذهول فقد قال هو نفسه في الدرر إنه عند الترمذي من حديث ابن مسعود في أثناء حديث بسند ‏[‏ص 52‏]‏ حسن هذه عبارته وبه يعرف أنه كما لم يصب هنا في اقتصاره على العزو للخطيب وحذف ما عقبه به من بيان علته وضعفه لم يصب في عدوله عن العزو للترمذي لخروجه عن قانونهم‏.‏

2718 - ‏(‏انتظار الفرج بالصبر عبادة‏)‏ لأن إقباله على ربه في تفريج كربه وكشف ضره أو الظفر بمطلوبه مع صبره وعدم ضجره وعدم شكواه المخلوق وعدم اتهامه للحق فيما ابتلاه وتأخير كشفه عبادة وأي عبادة أي إذا حل بعبد بلاء فترك الجزع الهلع وصبر على مر القضاء فذلك منه عبادة يثاب عليها لما فيه من الانقياد للقضاء والتسليم لما تقتضيه أوامر النواميس الإلهية‏.‏

- ‏(‏القضاعي‏)‏ في مسند الشهاب ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال العامري في شرحه‏:‏ حسن وأقول فيه عمرو بن حميد عن الليث قال في الميزان هالك أتى بخبر موضوع اتهم به ثم ساق هذا الخبر الذي هو حديث ابن عمرو ‏(‏وعن ابن عباس‏)‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ وسنده ضعيف قال‏:‏ وروي من أوجه أخرى كلها ضعيفة وقضية صنيع المصنف أن لم يره لأشهر ولا أحق بالعزو من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجيب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المذكور عن علي أمير المؤمنين‏.‏

2719 - ‏(‏انتظار الفرج من اللّه عبادة‏)‏ أي من العبادة كما تقرر ‏(‏ومن رضي بالقليل من الرزق رضي اللّه تعالى منه بالقليل من العمل‏)‏ بمعنى أنه لا يعاتبه على إقلاله من نوافل العبادات لا أنه لا يعاقبه على ترك المفروضات وفي خبر رواه الديلمي وبيض لسنده‏:‏ الدنيا دول فما كان منها لك آتيك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك ومن انقطع رجاؤه استراح بدنه ومن رضي بما رزقه اللّه قرّت عيناه‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتابه ‏(‏الفرج‏)‏ بعد الشدة ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال الحافظ العراقي‏:‏ سنده ضعيف وظاهر صنيع المصنف أن ذا مما لم يخرجه أحد من المشاهير أصحاب الرموز والأمر بخلافه فقد خرجه الديلمي والبيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن علي أيضاً‏.‏

2720 - ‏(‏انتعلوا وتخففوا‏)‏ أي البسوا النعال والخفاف في أرجلكم ‏(‏وخالفوا أهل الكتاب‏)‏ اليهود والنصارى فإن أولئك لا ينتعلون ولا يتخففون والظاهر أنه أراد في الصلاة ويحتمل الإطلاق وأن نصارى زمانه ويهود زمانه كان دأبهم المشي حفاة والأوّل أقرب‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي‏.‏

2721 - ‏(‏انتهاء‏)‏ بالمدِّ ‏(‏الإيمان إلى الورع‏)‏ أي به تزكو الأعمال أي غاية الإيمان وأقصى ما يكون أن يبلغه من القوة والرسوخ أن يبلغ الإنسان درجة الورع الذي هو الكف عن المحرمات وتوقي التورط في الشبهات والارتباك في الشهوات ‏(‏من قنع‏)‏ أي رضي ‏(‏بما رزقه اللّه تعالى‏)‏ قليلاً كان أو كثيراً ‏(‏دخل الجنة‏)‏ أي مع السابقين الأوّلين أو من غير سبق عذاب فإنه لما ترك الحرص والطمع وفوض أمره إلى اللّه ورضي بما قسمه له وأمّل منه الخير والبركة حقق اللّه ظنه وبلغه مأموله في الدنيا والآخرة‏.‏

قال الغزالي‏:‏ الورع أربع مراتب‏:‏ ورع العدول وهو الكف عما يفسق تناوله وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق الاحتمال له وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة في حله لكنه ‏[‏ص 53‏]‏ قد يجر إلى محرم أو مكروه وورع الصدّيقين وهو ترك ما لا بأس به أصلاً لكنه يتناول لغير اللّه ‏(‏ومن أراد الجنة لا شك فلا يخاف في اللّه لومة لائم‏)‏ أي لا يمتنع عن القيام بالحق للوم لائم له عليه‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد عن ابن مسعود‏)‏ قال الدارقطني‏:‏ تفرد به عنبسة عن المعلى، والمعلى عن شقيق قال ابن الجوزي‏:‏ وعنبسة والمعلى متروكان قاله النسائي وغيره وقال ابن حبان يرويان الموضوعات لا يحل الاحتجاج بهما‏.‏

2722 - ‏(‏أنزل اللّه عليّ‏)‏ في القرآن ‏(‏أمانين لأمّتي‏)‏ قالوا‏:‏ وما هما يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ قوله تعالى ‏(‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم‏)‏ مقيم بمكة بين أظهرهم حتى يخرجوك فلا يرد تعذيبهم ببدر أو المراد عذاب استئصال وأنت فيهم إكراماً فإنك للعالمين رحمة فلما دنا العذاب أمر بالهجرة ‏(‏وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏)‏ أي وفيهم من يستغفر من لم يستطع الهجرة من مكة أو هم يقولون غفرانك أو لو استغفروا أو في أصلابهم من يستغفر أو وفيهم من يصلي ولم يهاجر بعد ‏(‏فإذا مضيت‏)‏ أي انتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء ‏(‏تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة‏)‏ فكلما أذنب الواحد منهم واستغفر غفر له وإن عاود الذنب ألف مرة وقيل‏:‏ هذا منسوخ بقوله تعالى عقب هذه الآية ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه‏}‏ وقيل‏:‏ النسخ لا يرد على الخبر ولكن ذلك إذا لم يبق فيهم من يستغفر‏.‏

- ‏(‏ت عن أبي موسى‏)‏ الأشعري وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي قال الذهبي‏:‏ ضعفوه‏.‏

2723 - ‏(‏أنزل اللّه جبريل في أحسن ما كان يأتيني في صورة فقال‏:‏ إن اللّه تعالى يقرئك السلام يا محمد ويقول لك إني قد أوحيت إلى الدنيا‏)‏ وحي إلهام ‏(‏أن تمرَّري وتكدَّري وتضيَّقي وتشدَّدي على أوليائي كي يحبوا لقائي‏)‏ أي لأجل محبتهم إياه ‏(‏فإني خلقتها‏)‏ فيه التفات من الحضور إلى الغيبة إذ الأصل خلقتك ‏(‏سجناً لأوليائي وجنة لأعدائي‏)‏ أي الكفار فإنه سبحانه وتعالى يبتلي بها خواص عباده ويضيقها عليهم غيرة عليهم فهم منها سالمون ويزيل عنهم كراهة الموت بلطائف يحدثها لهم حتى يسأموا الحياة كما فعل بإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين جاءه ملك الموت ليقبض روحه فبكى إبراهيم عليه السلام فعاد إليه في صورة شيخ هرم يأكل العنب وماؤه يسيل على لحيته فسأله إبراهيم عليه السلام عن عمره فذكر مثل سنه فاشتهى الموت فقبضه‏.‏

- ‏(‏هب عن قتادة بن النعمان‏)‏ بضم النون الظفري البدري وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بما نصه لم نكتبه إلا بهذا الإسناد وفيهم مجاهيل اهـ‏.‏

2724 - ‏(‏أنزل القرآن على سبعة أحرف‏)‏ اختلف فيه على نحو أربعين قولاً من أحسنها ما قرره الحرالي حيث قال‏:‏ الجوامع التي حلت في الأوّلين بداياتها وتمت عند المصطفى صلى اللّه عليه وسلم نهاياتها هي صلاح الدين والدنيا والمعاد وفي كل صلاح إقدام وإحجام فتصير الثلاثة ستة هي حروف القرآن الستة التي لم يبرح يستزيدها من ربه حرفاً حرفاً فلما استوفى الستة وهبه ربه سابعاً جامعاً فردَّ الأزواج له فتم إنزاله على سبعة أحرف وتفصيل هذه السبعة تكفل بتبيانه ‏[‏ص 54‏]‏ الحديث الآتي بعده بخمسة أحاديث المغني عن طلبتها بالحدس والتأويل المبطل لشعب تلك الأقاويل وفي بيانه شفاء العي وثلج اليقين‏.‏

- ‏(‏حم ت عن أبيِّ‏)‏ بن كعب ‏(‏حم عن حذيفة‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه كلام لا يضر‏.‏

2725 - ‏(‏أنزل القرآن من سبعة أبواب‏)‏ أي أبواب البيان كما في المنجد ‏(‏على سبعة أحرف كلها‏)‏ قال في الديباج‏:‏ المختار أن هذا من متشابه الحديث الذي لا يدرك تأويله والقدر المعلوم منه تعدد وجوه القراءات ‏(‏شاف كاف‏)‏ أي كل حرف من تلك الأحرف شاف للغليل كاف في أداء المقصود من فهم المعنى وإظهار البلاغة والفصاحة وقيل المراد شاف لصدور المؤمنين لاتفاقها في المعنى وكونها من عند اللّه كاف في الحجة على صدق النبي صلى اللّه عليه وسلم لإعجاز نظمه‏.‏

- ‏(‏طب عن معاذ‏)‏ بن جبل قال الهيثمي‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

2726 - ‏(‏أنزل القرآن على سبعة أحرف‏)‏ قال القاضي‏:‏ أراد بها اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من لغات العرب وهي لغة قريش وهذيل وهوازن واليمن وبني تميم ودوس وبني الحارث وقيل القراءات السبع وقيل إنما أراد أجناس الاختلافات التي يؤول إليها اختلاف معاني القرآن فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات‏:‏ الثاني كالتقديم والتأخير نحو ‏{‏وجاءت سكرة الموت بالحق‏}‏ وجاءت سكرة الحق بالموت، والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها نحو ‏{‏فإن اللّه هو الغني الحميد‏}‏ قرئ بالضمير وعدمه أو تبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى مثل ‏{‏كالعهن المنفوش‏}‏ وكالصوف المنفوش أو اختلافه مثل ‏{‏وطلح منضود‏}‏ وطلع منضود أو بتغييرهما إما بتغيير هيئة كإعراب نحو ‏{‏هن أطهر لكم‏}‏ بالرفع والنصب أو صورة نحو ‏{‏انظر إلى العظام كيف ننشزها‏}‏ وننشرها أو حرف مثل ‏{‏باعد، وبعد، بين أسفارنا‏}‏ وقيل أراد أن في القرآن ما هو مقروء على سبعة أوجه نحو ‏{‏فلا تقل لهما أف‏}‏ فإنه قرئ بضم وفتح وكسر منوناً وبسكون وقيل معناه أنزل مشتملاً على سبعة معاني أمر ونهي وقصص وأمثال ووعد ووعيد وموعظة ثم قال‏:‏ ـ أعني البيضاوي ـ‏:‏ وأقول المعاني السبعة هي العقائد والأحكام والأخلاق والقصص والأمثال والوعد والوعيد ‏(‏فمن قرأ على حرف منهما فلا يتحول إلى غيره رغبة عنه‏)‏ بل يتم قراءته بذلك‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ قضية كلامه أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول شنيع فقد خرجه الإمام مسلم باللفظ المزبور من حديث أبيِّ بن كعب وهكذا عزاه له جمع منهم الديلمي‏.‏

2727 - ‏(‏أنزل القرآن على سبعة أحرف‏)‏ حرف الشيء طرفه وحروف التهجي سميت به لأنها أطراف الكلمة ‏(‏لكل حرف‏)‏ في رواية لكل آية ‏(‏منها ظهر وبطن‏)‏ فظهره ما ظهر تأويله وعرف معناه وبطنه ما خفي تفسيره وأشكل فحواه أو الظهر اللفظ والبطن المعنى أو الظهر التلاوة والرواية والبطن الفهم والدراية‏.‏ قال الطيبي‏:‏ على في قوله على سبعة أحرف ليس بصلة بل حال وقوله لكل آية منها ظهر جملة اسمية صفة لسبعة والراجع في منها للموصوف وكذا قوله ‏(‏ولكل حرف حد‏)‏ أي منتهى فيما أراد اللّه من معناه ‏(‏ولكل حد‏)‏ من الظهر والبطن ‏(‏مطلع‏)‏ بشدة الطاء وفتح اللام موضع الاطلاع أي مصعد وموضع يطلع عليه بالترقي إليه فمطلع الظاهر التمرن في فنون العربية وتتبع ‏[‏ص 55‏]‏ أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومطلع الباطن تصفية النفس والرياضة والعمل بمقتضاه وقيل المنع ومعناه أن لكل حد من حدود اللّه وهي ما منع عباده من تعديه موضع إطلاع من القرآن فمن وفق لإرتقاء ذلك المرتقى اطلع على الحد الذي يتعلق بذلك المطلع‏.‏